يمثل الرصد الأخير الذي حققه التلسكوب الفضائي جيمس ويب (JWST) اختراقًا غير مسبوق في علم الفلك، حيث نجح علماء الفلك في تصوير ظواهر جوية لكوكب حر العوم (Free-Floating Planet)، أو ما يُعرف باسم “الكوكب اليتيم” (Rogue Planet)، الذي لا يدور حول أي نجم. يكتسب هذا الاكتشاف أهمية قصوى لكونه تم في غياب مصدر الضوء المباشر للنجم، الأمر الذي يوسع آفاق معرفتنا بالتنوع الكوني ويمهد لفهم ديناميكيات الطقس في العوالم الأبعد والأكثر غرابة.
طاقة الشفق القطبي: مصدر غير تقليدي للحرارة
كشف التحليل الأولي لبيانات JWST عن نتائج صادمة تتعلق بالتركيب الحراري للكوكب:
- حرارة غير متوقعة: أظهرت القياسات أن الكوكب يتمتع بكمية حرارية تفوق التوقعات لكتلته، خاصة وأن الكواكب اليتيمة تعتمد عادةً على حرارتها الداخلية المتبقية من عملية التكوين.
- قوة الشفق القطبي كمصدر طاقة: يُعزى السبب الرئيسي وراء هذه الحرارة المفاجئة إلى ظاهرة الشفق القطبي الشديد (Intense Aurora).
آلية الشفق في عالم مظلم:
- النشأة: يحدث الشفق القطبي عندما تتفاعل الجسيمات المشحونة (التي عادة ما تنبعث من الرياح النجمية) مع المجال المغناطيسي للكوكب.
- مصدر الطاقة: في حالة هذا الكوكب اليتيم، يُحتمل أن يكون التفاعل مع الوسط بين النجمي أو التفاعلات المعقدة ضمن الغلاف المغناطيسي للكوكب نفسه بمثابة “مُغذي للطاقة”، يطلقها في الطبقات الجوية العليا، مما يفسر هذا الارتفاع الحراري الملحوظ.
ديناميكيات جوية معقدة: عواصف وتغيرات حرارية
بالإضافة إلى ظاهرة الشفق، كشفت القياسات عن ديناميكيات جوية لم تكن متوقعة، يقودها التباين في الأعماق الجوية:
- تبايُن حراري دقيق: أظهرت البيانات وجود تغيرات حرارية دقيقة (Thermal Variations) على مستوى غلاف الكوكب الجوي. هذا يشير إلى أن الكوكب ليس مجرد كرة غازية هادئة وموحدة، بل يمتلك نظامًا جويًا نشطًا.
- دور العواصف الضخمة: يرجح العلماء أن يكون هذا التباين ناتجًا عن عواصف ضخمة تضاهي حجم العواصف على الكواكب العملاقة (سواء كانت يتيمة أو تدور حول نجم). تعمل هذه العواصف على نقل الطاقة الحرارية من الطبقات الداخلية إلى الخارج.
- تشابه مع المشتري: يمكن تشبيه هذه الظاهرة، إلى حد ما، بـ البقعة الحمراء العظيمة على كوكب المشتري، وهي عبارة عن نظام عاصفي مستمر وهائل الحجم.
- التحليل الطيفي ثلاثي الأبعاد: سمحت تقنية التحليل الطيفي (Spectroscopy) المتقدمة لـ JWST للعلماء بقياس درجات الحرارة لطبقات جوية مختلفة، مما أتاح نظرة “ثلاثية الأبعاد” لظروف الطقس الكوكبي.
الآفاق المستقبلية: ما وراء النجوم المضيئة
يؤكد هذا البحث أهمية قصوى في فك شيفرة التنبؤات الجوية للكواكب الخارجية، حتى في الظروف الأكثر غموضًا وغيابًا للضوء النجمي المباشر.
- الكواكب اليتيمة: يوفر هذا الاكتشاف أول لمحة عميقة عن العمليات الجوية في هذه العوالم “المنفردة” التي طردت من سيطرتها النجمية. دراسة عملياتها تفتح الباب لاكتشاف أشكال فريدة للحياة (إن وجدت) التي قد تعتمد على الحرارة الداخلية أو مصادر الطاقة الإضافية كالطاقة الشفقية بدلاً من الشمس.
- النمذجة الفلكية: ستُستخدم هذه البيانات الأساسية لتعديل نماذج محاكاة الغلاف الجوي للكواكب الخارجية، حيث لم يعد كوكب الأرض أو الكواكب التي تدور حول نجومها هي الأساس الوحيد للنمذجة.
إن اكتشاف الشفق القطبي القوي كمصدر لطاقة وحرارة على سطح هذا “الكوكب المظلم” هو دليل قوي على عظمة الكون وغموضه الذي يفوق أحيانًا حتى أعقد التوقعات العلمية.








