“أصفاد اليعقوبي” تدق ساعة المحاسبة النقابية
في خطوة وصفتها السلطة بـ “تطبيق القانون” ورآها الاتحاد “استهدافاً سياسياً”، تحول إيقاف لسعد اليعقوبي، القيادي البارز في المركزية العمالية، بتهمة الاحتكار والمضاربة، إلى نقطة صدام حقيقية بين الاتحاد العام التونسي للشغل والسلطة. يرى مراقبون أن “أصفاد اليعقوبي” تدق ساعة المحاسبة داخل المنظمة الأكبر في البلاد، وأن معركة الاتحاد مع السلطة تدخل منحى تصاعدياً بسيناريوهات مفتوحة.
هذا المقال يحلل أبعاد هذه المواجهة، مستعرضاً الحجج النقابية لردع التسييس، ومؤكداً على ضرورة تطبيق مبدأ “المحاسبة للجميع” دون استثناء، في ظل شبهات فساد طال أمدها.
1. موقف السلطة: قانون يطبق على الجميع وتعهد رئاسي
الموقف الرسمي المدعوم بتحليلات عديدة يشدد على مبدأ سيادة القانون وضرورة محاسبة كل من يتجاوزه، وهو ما لخصه الرئيس قيس سعيد سابقاً في تأكيده على رفضه للحوار مع قيادات وصفها بـ “الفاسدين”.
- لا حصانة لأي كان: أكد الرئيس سعيد أن “القانون يطبق على الجميع، ولا يمكن أن نترك أحداً يتطاول على الشعب التونسي”، وهو ما يضع الاعتقال ضمن استراتيجية تطهير واسعة.
- الاتحاد امتداد للفساد: يرى المحللون أن الرئيس يعتبر الاتحاد امتداداً لمنظومة الفساد التي يعمل على محاربتها، مشيراً إلى أن الفساد ينخر في الاتحاد وأن المحاسبة ضرورية.
- ملفات عتيقة تُفتَح: يمثل توقيف اليعقوبي، المتهم بمسائل اقتصادية تمس المواطن مباشرة (الاحتكار والمضاربة)، الخطوة الأولى في مسار محاسبة ملفات فساد ظلت مغلقة لسنوات، حيث حوّلت بعض القيادات مواقع نفوذها إلى أدوات لتحقيق مصالح ضيقة.
2. رد الاتحاد: صرخة ضد التسييس وخطر الحكم الفردي
في المقابل، جاء رد الأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي، حاداً، حيث انطلقت تصريحاته من المقر المركزي للاتحاد في تونس العاصمة، متهمة السلطة بالتسييس:
- اتهام بالاستهداف: يرى الطبوبي أن ما يحدث يوحي بـ “الاستهداف المسبق” للكوادر المعارضة تحت غطاء محاربة الفساد، ووصف الإجراء بأنه “صادم وغير منطقي”.
- الحكم الفردي يهدد الحريات: حذر الطبوبي من أن الوضع خطير بسبب هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء، مشيراً إلى أن هذا يهدد كل من يجرؤ على التعبير أو الاختلاف.
- “الاتحاد ليس فوق المحاسبة”: رغم الاتهام بالتسييس، أكد الطبوبي أن “الاتحاد ليس فوق المحاسبة”، وطالب كل من يتهم أو يمتلك ملفات فساد تخص النقابيين عليه التوجه إلى القضاء، في محاولة لوضع حد للاتهامات المرسلة.
3. النقطة الفاصلة: تغوّل نقابي أم تضييق سياسي؟
المواجهة الراهنة هي صدام بين القوة النقابية التاريخية وسلطة تسعى لكسر “المربّع التقليدي” للاتحاد في التدخل بالشؤون السياسية. هذا يضع الطرفين أمام حقائق صعبة:
- اتهامات بتغوّل الاتحاد: يرى محللون أن الاتحاد استفاد كثيراً خلال العشرية الماضية، وأن بعض قياداته تحوّلت مواقع نفوذها إلى أدوات لتحقيق الثراء الفاحش. كما يُتهم الاتحاد بـ “التدخل في مؤسسات الدولة عبر انتدابات قائمة على الولاءات” وبتحميله جزءاً من الأزمة الاقتصادية بسبب كثرة الإضرابات للمطالبة بزيادة الأجور.
- التحدي المزدوج: على السلطة أن تثبت أن مسار المحاسبة يخص الفساد الإداري والمالي المدعوم بملفات وبناءً على تقارير تفقد وزارية، لا أن يكون مجرد أداة لإلغاء المربّع السياسي للاتحاد. وعلى الاتحاد، بالمقابل، أن يثبت للرأي العام أنه لا يحمي الفاسدين، وأن يسمح للقضاء بالتحرك، وهو ما يتطلب منه شفافية أكبر.
الخاتمة: مستقبل العلاقة بين القوة والدولة
إن إيقاف اليعقوبي هو بمثابة إعلان صريح بأن ملفات الاتحاد لم تعد مغلقة. المواجهة القادمة هي اختبار لـ شرعية كل طرف: هل تثبت السلطة أن القضاء مستقل وتطبيقه للقانون نزيه؟ وهل ينجح الاتحاد في الفصل بين حقه في الدفاع عن الحريات وواجب محاسبة أي فساد قد يكون تسلل إليه؟
المرحلة الراهنة ستحدد ليس فقط مصير اليعقوبي، بل مستقبل العلاقة بين أكبر قوة اجتماعية وسياسية في تونس والقوة التنفيذية، في معركة يجب أن يكون الهدف الأسمى منها هو سيادة القانون وإصلاح ما أفسد.








