تشهد تونس مع بداية الأسبوع القادم حالة جوية استثنائية قد تعيد إلى الأذهان سيناريوهات خريفية عرفتها البلاد في السنوات الماضية. فقد أعلنت معاهد الأرصاد الجوية الدولية عن اقتراب منخفض جوي قادم من خليج جنوة الإيطالي، متوقع أن يتسبب في نزول أمطار غزيرة على عدد من ولايات البلاد، أبرزها ولايات تونس الكبرى وزغوان، هذه التغيرات الجوية تطرح العديد من التساؤلات حول تأثيرها على الحياة اليومية، البنية التحتية، وسبل الاستعداد لموجة الأمطار المقبلة.
تفاصيل الحالة الجوية المرتقبة
وفق آخر التحديثات الصادرة عن النماذج العددية الأوروبية والأمريكية، فإن بداية التقلبات الجوية ستكون يوم الاثنين 22 سبتمبر 2025. حيث تنشط تيارات بحرية شرقية محملة برطوبة عالية، ما يؤدي إلى هطول أمطار متفاوتة الشدة على طول الساحل الشرقي الممتد من ولاية نابل مروراً بالساحل وصفاقس وصولاً إلى مدنين، كما ستمتد هذه التقلبات إلى بعض المناطق الغربية من ليبيا.
الأمطار في هذه المرحلة ستكون متفرقة وخفيفة إلى متوسطة، تتراوح كمياتها بين 1 و20 ملم محلياً، مع تباين في التوزيع الجغرافي.
المنخفض الجوي القادم من جنوة
النقلة النوعية في الحالة الجوية ستكون ليلة الاثنين وتمتد إلى يومي الثلاثاء والأربعاء، حيث من المنتظر أن يتأثر شمال ووسط البلاد بـ منخفض جوي كلاسيكي قادم من خليج جنوة وهذا النوع من المنخفضات معروف بقدرته على جلب كتل هوائية رطبة تؤدي إلى تساقط كميات هامة من الأمطار، خاصة عندما يتزامن مع حرارة مرتفعة نسبياً لمياه البحر الأبيض المتوسط.
الولايات الأكثر تأثراً
تُعد ولايات تونس الكبرى (تونس، أريانة، منوبة، بن عروس) بالإضافة إلى ولاية زغوان، الأكثر عرضة للتأثر بهذا المنخفض. ومن المتوقع أن تسجل هذه المناطق كميات كبيرة من الأمطار قد تتسبب في:
- سيول جارفة خصوصاً في الأحياء ذات البنية التحتية الضعيفة.
- فيضانات حضرية نتيجة انسداد بالوعات تصريف المياه.
- تعطل حركة المرور على الطرقات الرئيسية.
- توقف بعض الأنشطة الاقتصادية مؤقتاً في حال استمرار هطول الأمطار لساعات طويلة.
المخاطر المحتملة
بحسب خبراء الأرصاد، فإن المخاطر لا تقتصر فقط على غزارة الأمطار، بل تشمل:
- ارتفاع منسوب الأودية مما قد يهدد المناطق القريبة منها.
- انقطاع التيار الكهربائي نتيجة تضرر الشبكات.
- تعطّل النقل العمومي بسبب تراكم المياه.
- تضرر المحاصيل الزراعية خاصة في المناطق السهلية.
استمرارية الاضطرابات الجوية
تشير النماذج العددية إلى أن هذا الاضطراب الجوي قد يتواصل حتى نهاية الأسبوع المقبل، مع إمكانية تجدد الأمطار في أكثر من فترة نتيجة حركة المنخفض بين شمال المتوسط والأراضي التونسية.
كما تؤكد التوقعات الأوروبية والأمريكية أن شهر سبتمبر 2025 سيكون مميزاً بكثرة الأمطار، خاصة في شمال البلاد وسواحلها الشرقية، وهو ما يتماشى مع طبيعة الخريف في تونس الذي عادةً ما يتميز بتقلبات مفاجئة وأمطار غزيرة قد تتحول أحياناً إلى فيضانات.
مقارنة تاريخية
من المعروف أن تونس شهدت في العقود الأخيرة عدة موجات مماثلة:
- في خريف 2007، أدت أمطار غزيرة إلى فيضانات كبيرة في ولايات الشمال.
- في أكتوبر 2018، عاشت ولاية نابل واحدة من أسوأ الفيضانات التي خلفت خسائر بشرية ومادية جسيمة.
هذه السوابق تجعل من الضروري التعامل مع التقلبات الجوية القادمة بحذر واستعداد جدي.
نصائح للوقاية والاستعداد
مع اقتراب هذه الموجة، يوصي خبراء الأرصاد والدفاع المدني بما يلي:
- تنظيف بالوعات المياه لتفادي انسدادها.
- تجنب التنقل غير الضروري أثناء فترات الذروة المطرية.
- تأمين الممتلكات خاصة السيارات والآلات في المناطق المنخفضة.
- متابعة النشرات الجوية الرسمية لتحديث المعلومات.
- تجنب مجاري الأودية وأماكن تجمع المياه.
البعد المناخي
هذه الظواهر الجوية المتكررة تفتح النقاش من جديد حول تأثير التغيرات المناخية على تونس ومنطقة شمال إفريقيا. فارتفاع درجات الحرارة وتزايد الرطوبة في البحر المتوسط يُساهمان في تعزيز قوة المنخفضات الجوية، مما يؤدي إلى أمطار أكثر غزارة وتطرفاً.
المنخفض الجوي المرتقب القادم من خليج جنوة يُمثل اختباراً جديداً للبنية التحتية وقدرة السلطات المحلية على إدارة الأزمات. وبينما تحمل الأمطار بشائر الخير للمزارعين والمائدة المائية، فإنها تفرض في الوقت نفسه تحديات كبيرة على مستوى الحماية المدنية والتخطيط الحضري.
التجربة أثبتت أن الوقاية أفضل من العلاج، وأن الوعي المجتمعي بخطورة هذه الظواهر يبقى خط الدفاع الأول لتفادي الخسائر. فلنستعد جيداً، ولنتذكر أن الخريف في تونس قد يكون جميلاً ممطراً، لكنه أيضاً قد يتحول في لحظة إلى فصل التحديات الكبرى.