تحركات عسكرية في الشرق الاوسط

إيران و إسرائيل : إقتراب صراع النهاية

تشهد منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة تحركات عسكرية ودبلوماسية مكثفة، تُعيد طرح السؤال الأهم: هل نحن على أعتاب فصل جديد من المواجهة العسكرية المباشرة مع إيران؟ تبدو المؤشرات الحالية وكأنها تُحاكي سيناريوهات سابقة للتصعيد، لكن بثقل غير مسبوق، مما يضع المنطقة على مفترق طرق حاسم.

تحليل التموضع العسكري والأهداف المحتملة

التحركات الأخيرة تشير إلى إعادة تموضع استراتيجي مُركز للقوات الغربية والأمريكية تحديداً في منطقة الخليج العربي:

  1. دخول حاملة الطائرات (USS Gerald R. Ford): إن مجرد تحرك حاملة طائرات بحجم وقدرات الـ (Ford) نحو الشرق الأوسط، مروراً بمضيق جبل طارق، يُمثل رسالة ردع قوية ويوفر منصة ضربات جوية مرنة بعيدة المدى. يُعد هذا التموضع ركيزة أساسية لأي عملية عسكرية كبرى محتملة أو لتأمين الممرات المائية الحيوية.
  2. تعزيز قاعدة العديد الجوية (قطر): وصول طائرات التزود بالوقود إلى قاعدة العديد الجوية، بالتزامن مع عودة طائرة الاستطلاع الإلكتروني البريطانية (RC-135W Rivet Joint)، يُشير إلى تجهيز البنية التحتية اللوجستية والقيادية لـ “عمليات جوية مُطوَّلة ومُعقّدة”. طائرة الـ (Rivet Joint) هي عيون وآذان التحالف، ووجودها يُؤكد ضرورة جمع المعلومات الاستخباراتية بشكل مكثف قبيل أي قرار حاسم.
  3. توقيت القيود الاقتصادية (SnapBack): تزامن التحشيد العسكري مع تفعيل أو التلويح بقيود اقتصادية مشددة (SnapBack) على إيران، يُعزز فرضية الاستراتيجية متعددة الأوجه: الضغط الاقتصادي يهدف إلى إضعاف النظام من الداخل، بينما التهديد العسكري يفرض ردعاً خارجياً.

العلاقة بين التموضع والضربة الإسرائيلية المحتملة

التحليل القائل بأن هذه التطورات هي تحضير لضربة إسرائيلية مرتقبة بمشاركة أمريكية كـ “عنصر أساسي” هو سيناريو مطروح بقوة في أروقة التحليل الإقليمي، لعدة أسباب:

  • الغطاء اللوجستي والردع: التواجد الأمريكي الثقيل يوفر غطاء لوجستياً (استخبارات، تزود بالوقود، دفاع صاروخي) و غطاء ردع إقليمي يهدف لمنع أي رد فعل إيراني واسع النطاق عبر وكلائها في المنطقة (كحزب الله أو الحوثيين)، مما يحصر نطاق الصراع ويضمن سلامة القوات المهاجمة.
  • الدبلوماسية القطرية: في هذا السياق، يمكن النظر إلى “اعتذار نتنياهو لقطر” ليس مجرد حدث عابر، بل كـ تنسيق دبلوماسي خلف الكواليس يهدف إلى تأمين موقف قطر كحليف لوجستي أمريكي رئيسي في المنطقة، وتفادي أي أزمة قد تعرقل استخدام قاعدة العديد الحيوية.

هل الشرق الأوسط أمام “صراع النهاية”؟

التساؤل حول ما إذا كان الشرق الأوسط يتجه نحو “صراع النهاية” هو سؤال استراتيجي عميق ينطوي على سيناريوهين رئيسيين:

الخيار الأول (صراع النهاية): التصعيد المُتعمد

إذا كانت التحركات الحالية تهدف فعلاً إلى شن ضربة وقائية واسعة النطاق ضد منشآت إيران النووية أو العسكرية، فإن المنطقة ستدخل في صراع إقليمي غير مسبوق قد يشمل:

  • إغلاق مضيق هرمز.
  • تبادل ضربات صاروخية واسعة بين إسرائيل وإيران ووكلائها.
  • تأثير كارثي على أسعار الطاقة واقتصاد العالم.
  • هذا السيناريو يعتمد على قناعة القوى الغربية وإسرائيل بأن الخطر الإيراني (النووي أو الإقليمي) قد وصل إلى نقطة اللاعودة التي تستوجب عملية عسكرية شاملة ومخاطرة عالية.

الخيار الثاني (المساومة القسرية): الردع والضغط

الاحتمال الأكثر ترجيحاً، بناءً على التاريخ الحديث للصراعات، هو أن هذا الحشد العسكري المكثف قد يكون في جوهره “مناورة ردع وقوة” تهدف إلى:

  • إجبار إيران على طاولة المفاوضات بشروط صارمة، خاصة فيما يتعلق ببرنامجها النووي وطائراتها المُسيرة ونفوذها الإقليمي.
  • توجيه ضربات محدودة ومُركزة (Surgical Strikes) كـ “إنذار أخير” بدلاً من حرب شاملة.
  • رفع سقف الردع إلى مستويات قصوى لثني إيران عن أي خطوات تصعيدية مستقبلية، دون الانزلاق إلى حرب إقليمية مدمرة.

الاستنتاج التحليلي:

بينما تُشير كل قطعة من الأدلة العسكرية إلى أن الاستعداد للعمل العسكري قد بلغ ذروته، فإن التحليل الاحترافي يميل إلى أن “صراع النهاية” (الحرب الشاملة) يظل الخيار الأخير؛ لأن تكلفته على جميع الأطراف، بما في ذلك الولايات المتحدة وأمن إمدادات الطاقة العالمي، هائلة. من المرجح أن تكون هذه التحركات بمثابة أداة ضغط قصوى تهدف إلى تحقيق مكاسب استراتيجية ضخمة عبر التهديد المُقنع أكثر من العمل العسكري الشامل.

يبقى الترقب سيد الموقف، خاصة وأن التاريخ أثبت أن خطأ في التقدير أو انحراف غير مقصود يمكن أن يُشعل فتيل الحرب في منطقة شديدة الانفجار كالشرق الأوسط.