في خطوة لم تكن مفاجئة تمامًا في خضم الأجواء السياسية المشحونة في فرنسا، قدّم رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان لوكورنو استقالته رسميًا للرئيس إيمانويل ماكرون اليوم الإثنين الموافق 6 أكتوبر 2025، وقد قبلها ماكرون على الفور. هذه الاستقالة تأتي لتزيد من عمق الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد منذ الانتخابات التشريعية المبكرة العام الماضي.
كان قصر الإليزيه قد أعلن مساء الأحد عن تشكيلة حكومية جديدة طموحة، في محاولة نحو استقرار الوضع. إلا أن الإعلان اصطدم بتحفظات قوية، أبرزها من حزب “الجمهوريون” اليميني، الذي أعلن رفضه لتعيين برونو لومير في منصب وزير الجيوش، بعد أن كان يشغل حقيبة الاقتصاد. هذا الرفض المبكر كان بمثابة مؤشر واضح على أن الحكومة الجديدة كانت ستواجه معارضة شرسة وموحدة في البرلمان المنقسم.
تحديات التشكيلة الجديدة والبرلمان المشطور
كانت مهمة لوكورنو، ومن قبله الحكومتين السابقتين، تتمثل في الحصول على دعم عابر للأحزاب لتمرير مشاريع الحكومة، خاصة في ظل وجود ثلاث كتل نيابية متناحرة تتشارك في معارضة السلطة التنفيذية. ويبدو أن فشله في بناء جسور التوافق هو ما عجل بالاستقالة، بعد أن كان المصير المرجح للحكومة الجديدة هو السقوط السريع على غرار الحكومتين التي سبقتها برئاسة فرانسوا بايرو وميشال بارنييه، واللتين سقطتا بسبب معارضة مشروع ميزانية التقشف.
في محاولة لضخ دماء جديدة وخبرة في التشكيلة المستقيلة، أعاد ماكرون عددًا من الوزراء السابقين إلى الواجهة، مع تبديل في الحقائب الوزارية الرئيسية:
- برونو لومير: انتقل من وزير الاقتصاد إلى وزير الجيوش.
- رولان لوسكور: عُين وزيرًا للاقتصاد ليتحمل على عاتقه مهمة إعداد مشروع الميزانية الصعبة وإدارة ملفات التقشف المعقدة.
كما احتفظ عدد من الشخصيات بمناصبها لأهميتها الاستراتيجية في هذه المرحلة:
- جان نويل بارو: احتفظ بحقيبة وزارة الخارجية.
- برونو روتايو: استمر في منصبه كوزير للداخلية، مؤكدًا التزامه بمكافحة الهجرة غير النظامية كأولوية قصوى.
توقعات المستقبل: البحث عن الاستقرار المستحيل
إن استقالة لوكورنو لا تضع فقط تحديات فورية أمام ماكرون لإيجاد رئيس وزراء قادر على تشكيل أغلبية برلمانية، بل تثير تساؤلات جدية حول قدرة الرئيس نفسه على الحكم بفعالية في ظل هذا الانقسام غير المسبوق. إن الأزمة التي انطلقت بشرارة الانتخابات المبكرة العام الماضي، والتي كان ماكرون يأمل من خلالها في تعزيز سلطته، أفرزت على النقيض تمامًا واقعًا سياسيًا يتميز بـ “الشلل التشريعي”.
إن المهمة القادمة لرئيس الوزراء الجديد (من المتوقع أن يتم تعيينه خلال الساعات القادمة) ستكون أصعب من أي وقت مضى. لن يكون مجرد تحدٍ لتشكيل حكومة، بل لإنقاذ خطة إصلاحية طموحة، وتمرير ميزانية تقشف حتمية، وكل ذلك في وجه كتلة برلمانية معارضة متحفزة تنتظر أي فرصة لإسقاط الحكومة الثالثة على التوالي. هذا المشهد يؤكد أن فرنسا تعيش حاليًا أزمة سياسية عميقة تضع مستقبل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية على المحك.







