شهدت الساحة السياسية الدولية تطوراً لافتاً يتعلق برئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، حيث أعلنت هي نفسها، في تصريحات متلفزة، عن تقديم شكوى (بلاغ) ضدها وضد عضوين بارزين في حكومتها أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وتتمحور الشكوى حول اتهامات بـ “التواطؤ المزعوم في الإبادة الجماعية” فيما يتصل بالحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة.
ويشمل البلاغ الذي أودع لدى مكتب المدعي العام للمحكمة كلاً من ميلوني، ووزير الدفاع جويدو كروزيتو، ووزير الخارجية أنطونيو تاياني. كما أُشير إلى أن الشكوى قد تطال أيضاً روبرتو سينغولاني، رئيس مجموعة “ليوناردو” الدفاعية الإيطالية.
تفاصيل الشكوى وأساسها القانوني
من هم أصحاب الشكوى؟
على خلاف الإحالة الرسمية من قبل دولة أو مجلس الأمن، فإن هذا الإجراء هو شكوى مباشرة (Denouncement) قدمها نحو 50 شخصية، شملت أساتذة في القانون الدولي، ومحامين، ونشطاء مدنيين. وقد سعت هذه الجهات إلى تفعيل المادة (14) من نظام روما الأساسي التي تسمح للدول الأطراف بإحالة حالات إلى المدعي العام، والمادة (15) التي تمنح المدعي العام صلاحية بدء التحقيقات من تلقاء نفسه بناءً على معلومات موثوقة.
التهمة الجوهرية
تستند الشكوى بشكل أساسي إلى اتهام الحكومة الإيطالية بتحمل المسؤولية الجنائية الفردية المنصوص عليها في المادة 25 من نظام روما الأساسي، وذلك عبر الاستمرار في تزويد إسرائيل بالأسلحة والمعدات العسكرية القاتلة.
ويزعم مقدمو الشكوى أن الدعم العسكري والسياسي المستمر من روما لتل أبيب يضع الحكومة الإيطالية في خانة المُسهِّل والمساعد في ارتكاب “جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية” ضد الشعب الفلسطيني.
رد فعل الحكومة الإيطالية والموقف السياسي
أعربت رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني عن “دهشتها” من هذه الاتهامات. وفي سياق نفيها، قدمت الحكومة الإيطالية تبريراً يشدد على التزامها بالقانون الدولي، مشيرة إلى نقطتين رئيسيتين:
- وقف التراخيص الجديدة: أكدت ميلوني أن الحكومة “لم تُصرح بأي توريد جديد للأسلحة إلى إسرائيل بعد أحداث السابع من أكتوبر”. ويهدف هذا التصريح إلى التنصل من تهمة الدعم الجديد والمباشر للعمليات العسكرية الأخيرة.
- استمرارية العقود السابقة: هذا النفي ضمناً يشير إلى أن عقود التوريد العسكرية التي كانت قائمة قبل اندلاع الحرب قد تكون مستمرة في التنفيذ، وهو ما يعتبره النشطاء دليلاً على استمرار “التواطؤ” عبر الإمداد، حتى لو لم يتم منح تراخيص جديدة.
تأتي هذه الشكوى في وقت تشهد فيه إيطاليا مظاهرات حاشدة ضغطت على حكومة ميلوني اليمينية، التي كانت تُعرف بدعمها القوي لإسرائيل، لتتبنى مواقف أكثر توازناً، حيث بدأت روما بالتعبير عن قلقها بشأن العمليات الإسرائيلية “غير المتناسبة” في غزة.
المسار القانوني للشكوى في المحكمة الجنائية الدولية
من الضروري التوضيح أن تقديم شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية لا يعني بالضرورة بدء المحاكمة، بل يتبع الخطوات الإجرائية التالية:
- التقييم الأولي (Preliminary Examination): يتلقى مكتب المدعي العام، كريم خان، الشكوى، ويضيفها إلى الملف العام قيد التحقيق بالفعل بخصوص “الوضع في دولة فلسطين” (التحقيق بدأ عام 2021 وتم توسيعه بعد أكتوبر 2023).
- مرحلة اتخاذ القرار: يقوم المدعي العام بتقييم المعلومات المقدمة لتحديد ما إذا كانت تفي بالحد الأدنى من المعايير لفتح تحقيق رسمي ضد شخصيات إيطالية. ويجب على المدعي العام إثبات أن هناك “أسباباً معقولة للاعتقاد” بأن جريمة تقع ضمن اختصاص المحكمة قد ارتكبت.
- النطاق القضائي: بما أن إيطاليا طرف موقع على نظام روما الأساسي، فإن المحكمة تتمتع بالولاية القضائية على مواطنيها إذا تم إثبات مسؤوليتهم الجنائية الفردية عن الجرائم المرتكبة.
إن هذا النوع من القضايا يضيف ضغطاً سياسياً كبيراً على القادة الأوروبيين الذين يدعمون إسرائيل، ويؤكد على أن المساءلة القانونية الدولية قد لا تقتصر فقط على الأطراف المباشرة للنزاع.








