إصرار مصر على الهدنة ينهى إحلام نتنياهو في غزة

شهدت الساحة السياسية والإقليمية نقطة تحول كبرى، تجسدت في الإعلان عن التوافق على المرحلة الأولى من خطة وقف إطلاق النار في قطاع غزة. هذا الإنجاز الدبلوماسي لم يأتِ بسهولة، بل كان ثمرة إصرار وقيادة مصرية حاسمة، أدت إلى تذليل العقبات أمام عملية الانسحاب العسكري والتبادل. لقد وضعت القاهرة بصمتها الواضحة على الاتفاق، لتُسدل الستار على فترة دامية وتُنهي فعليًا أي أحلام بالاستمرار في العمليات العسكرية دون سقف زمني أو أهداف محددة. يستعرض هذا المقال تفاصيل الآلية التي يتم بموجبها تنفيذ الانسحاب التدريجي للقوات، مسلطًا الضوء على الدور المحوري للرئيس السيسي في إنجاز هذه الصفقة.


1. القيادة المصرية: الركيزة التي أسقطت “أحلام الاستمرار”

كانت الدبلوماسية المصرية هي القاطرة التي دفعت المفاوضات إلى خط النهاية، مؤكدة على أن الحل العسكري لا يمكن أن يكون بديلاً عن الاستقرار الإقليمي. وقد تمحور الدور المصري، بتوجيه من الرئيس عبد الفتاح السيسي، في النقاط التالية:

  • ضمانة مفاوضات شرم الشيخ: شكلت العاصمة المصرية ومقرات التفاوض فيها مركز الثقل لإدارة الأزمة. أمنت مصر بيئة محايدة وموثوقة، مما مكّن الوسطاء من صياغة آليات صعبة للغاية، لاسيما تلك المتعلقة بالانسحاب العسكري المضمون وإدخال المساعدات، بعيداً عن التذبذب السياسي.
  • الربط بين الأمن والإنسانية: أصرت القاهرة على الربط العضوي بين تنفيذ وقف إطلاق النار الفعلي وبين الإغاثة الإنسانية العاجلة. هذا الإصرار أثمر عن بند يلزم بفتح معبر رفح وتسهيل دخول ما لا يقل عن 400 شاحنة مساعدات يوميًا، وهي خطوة حيوية لإنهاء المجاعة.
  • ترسيخ الثقة الدولية: حظي الدور المصري بترحيب دولي واسع، بما في ذلك إشادة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والأمم المتحدة، مما يؤكد أن الإرادة المصرية هي الضامن الأساسي لنجاح الهدنة.


2. آلية الانسحاب: تحول الفرق العسكرية إلى خطوط الدفاع

أتى الإعلان عن الاتفاق ليتوج بالإصدار الرسمي لأوامر الانسحاب التدريجي للقوات الإسرائيلية. وتُنفذ هذه الآلية وسط تأهب أمني كبير على النحو التالي:

  1. فك الاشتباك والانسحاب الرئيسي: بدأت الفرق الميدانية الرئيسية (162، 98، و 36) بسحب جزء من قواتها من المناطق الحضرية، والتوجه نحو “خطوط دفاع جديدة” متفق عليها مسبقًا. هذا التحول من الهجوم إلى التموضع الدفاعي هو المؤشر الأوضح على سريان المرحلة الأولى من الاتفاق.
  2. مهمة تبادل الأسرى: كُلفت الفرقة (143) بمهمة حساسة وفورية تتمثل في تأمين وتسهيل عملية تبادل المحتجزين (الـ ٤٨) مقابل السجناء الفلسطينيين. ويُتوقع أن تتم هذه العملية تحت إشراف الوسطاء الإقليميين خلال الـ 72 ساعة الأولى من بدء الهدنة.
  3. إعادة الانتشار والتأمين: تستعد الفرقة (٩٩) لإعادة تمركزها في المناطق الوسطى من القطاع، حيث تتركز مهمتها على تأمين المنطقة وتجنب الفوضى مع بدء عودة النازحين.

3. التداعيات الإقليمية: نهاية الحرب وبداية التحديات

تجاوزت تداعيات اتفاق غزة حدود القطاع لتلقي بظلالها على كامل منطقة الشرق الأوسط، مؤكدة على أن هذا الاتفاق هو الأول من نوعه في سلسلة خطوات ضرورية لتحقيق الاستقرار:

  • تخفيف التوتر على الجبهات الأخرى: ينظر الإقليم بأسره إلى هذا التطور كفرصة لخفض التصعيد الإقليمي. فقد ارتفعت الأصوات المطالبة بضرورة وقف إطلاق النار على الحدود اللبنانية، لتجنب توسع دائرة الحرب التي هددت المنطقة لأسابيع.
  • ملفات ما بعد الحرب: بدأ النقاش الدولي والإقليمي يتحول إلى المرحلة الثانية من الخطة، والتي تتضمن ملفات شائكة حول إعادة الإعمار ونزع السلاح، وتحديد الترتيبات الأمنية والإدارية المستقبلية للقطاع. وتتطلب هذه المرحلة تنسيقاً دولياً وعربياً واسعاً، تقع مسؤوليته على عاتق الدول الفاعلة وعلى رأسها مصر.
  • البحث عن حل دائم: على الرغم من الترحيب بالهدنة، ترى الأغلبية أن أي ترتيبات مؤقتة لن تضمن سلاماً دائماً، مما يعيد التركيز على ضرورة تفعيل مسار حل الدولتين كضمان وحيد لاستقرار الشرق الأوسط على المدى الطويل.

الخلاصة:

بإصرارها على الوصول إلى حل شامل وعملي، استطاعت الدبلوماسية المصرية بقيادة الرئيس السيسي أن تجبر الأطراف على التوافق، لتُنهي فعليًا أحلام استمرار العملية العسكرية في غزة بلا سقف أو هدف واضح. الانسحاب التدريجي للقوات والبدء في تبادل الأسرى يمثلان إيذاناً بانتهاء أزمة عسكرية كبرى، وبداية تحديات إعادة الإعمار وإحلال السلام، وهي التحديات التي ستظل مصر ركيزتها الأساسية.