التحقيقات تكشف اسرار عملية الهروب من سجن المرناقية

التحقيقات تكشف : خيانة داخلية وراء “أخطر” عملية فرار من سجن المرناقية في تونس

مقدمة الحادثة: صدمة اختراق الحصن المنيع

في فجر يوم 31 أكتوبر 2023، اهتز الرأي العام التونسي على وقع خبر أمني استثنائي: هروب خمسة سجناء مُصنّفين ضمن أخطر العناصر الإرهابية من السجن المدني بالمرناقية. لم تكن هذه المؤسسة مجرد سجن عادي، بل تُعدّ أحد أكثر المعاقل تحصيناً وصرامة أمنية في البلاد، مما جعل عملية الفرار لغزاً محيراً منذ اللحظة الأولى لوقوعها.

التناقضات الأولية حول كيفية تنفيذ الهروب، حيث تحدثت روايات عن قطع شباك ضيق لا يكاد يتسع لمرور شخص، قادت مباشرة إلى طرح فرضية “التواطؤ الداخلي” كسيناريو شبه مؤكد، مما وضع المؤسسة السجنية بأكملها تحت مجهر الشك والتحقيق.

استنفار عاجل وشبكة أمنية محكمة

في استجابة فورية، أعلنت السلطات المعنية حالة استنفار قصوى. أطلقت وزيرة العدل ليلى جفال تحقيقاً عاجلاً، تم على إثره إعفاء مدير السجن وعدد من الإطارات الأمنية كإجراء أولي لتحمل المسؤولية وكشف الحقيقة.

بالتوازي، شرعت الوحدات الأمنية والحرس الوطني في عمليات تمشيط واسعة النطاق شملت مناطق واسعة وصولاً إلى الجبال الحدودية. وقد أثمر هذا التحرك السريع عن نجاح باهر في القبض على جميع الفارين في وقت قياسي، قبل أن يتمكنوا من تنفيذ أية مخططات إرهابية أو مغادرة التراب التونسي.

التحقيقات تكشف: شبكة فساد منظمة وراء الفرار

الصدمة الكبرى لم تكن في عملية الهروب، بل في ما كشفت عنه تحقيقات القطب القضائي لمكافحة الإرهاب والفرقة المركزية بالعوينة لاحقاً. فقد تأكد أن العملية لم تكن عملاً عشوائياً، بل نتيجة تخطيط دقيق وخيانة داخلية واضحة.

أظهرت الأدلة تورط بعض أعوان السجن والإطارات العليا الذين قاموا بتسهيل عملية الفرار، إما بالتغاضي عن الإجراءات الأمنية الحيوية أو بتوفير المساعدة والأدوات اللازمة للسجناء. وقد شملت التحقيقات الجارية أكثر من أربعين شخصاً بين موقوف ومتهم، من ضمنهم المدير السابق للسجن، وكوادر ومسؤولون كبار في الإدارة العامة للاستعلامات. كما تم إيقاف زوجة أحد الفارين بعد ثبوت تواصلها معه عبر مكالمات هاتفية قبل أيام من تنفيذ عملية الاختراق.

مواجهة “فضيحة الدولة” ومساءلة الكبار

شكلت الحادثة ما وُصف إعلامياً بـ “فضيحة الدولة”، نظراً لحساسية المؤسسة المتورطة وأهمية الملف الأمني. وكرد حاسم، أصدرت وزارتا العدل والداخلية قرارات صارمة، شملت التنحية الرسمية لمدير السجن، وإنهاء مهام المدير العام للمصالح المختصة والمدير المركزي للاستعلامات العامة، في إطار تطبيق مبدأ المساءلة وتحديد المسؤوليات.

القضية الآن في يد القضاء، حيث تنتظر الدائرة الجنائية المتخصصة في قضايا الإرهاب بدء محاكمة المتهمين. ويبقى السؤال الأهم الذي ينتظر التونسيون إجابته: من الذي أمر، ومن الذي استفاد، وكيف تمكن الفساد من اختراق أكثر السجون حراسة في تونس؟

1 فكرة عن “التحقيقات تكشف : خيانة داخلية وراء “أخطر” عملية فرار من سجن المرناقية في تونس”

التعليقات مغلقة.