تشهد تونس مؤخرًا حملة أمنية ورقابية غير مسبوقة تستهدف شبكات الاحتكار والمضاربة التي تسببت في تفاقم الضغوط المعيشية على المواطنين، جراء الارتفاع غير المبرر للأسعار وندرة بعض المواد الأساسية. هذه الحملة، التي انطلقت بتوجيهات مباشرة من رئيس الجمهورية قيس سعيد، تمثل إصرارًا على وضع حماية القدرة الشرائية للمواطن كأولوية وطنية قصوى.
الأهداف الاستراتيجية للحملة: ما وراء الردع
تؤكد الجهات الأمنية والرقابية أن الهدف من هذه العمليات لا يقتصر على مجرد ردع المخالفين، بل يتعداه إلى تحقيق أهداف أعمق وأكثر استراتيجية:
- إعادة التوازن للأسوق: من خلال محاربة الممارسات التجارية غير المشروعة.
- ضمان العدالة الاقتصادية: ليلمس كل مواطن ثمرة هذه الجهود.
- إعادة الثقة: ترسيخ الثقة المفقودة بين الشعب ومؤسسات الدولة.
الحملة، التي وُصفت بأنها ليست “ظرفية ومحدودة” بل خطة شاملة ومستمرة، تأتي تطبيقًا لمبدأ “تطبيق القانون على الجميع دون أي استثناء”. وشدد المسؤولون على أن هذه الجهود ستستمر لإنهاء ظاهرة الاحتكار والمضاربة، التي تُعد خطرًا مباشرًا على الأمن الغذائي والاجتماعي للبلاد.
نتائج ملموسة وإجراءات قضائية حاسمة
منذ انطلاق الحملة، شهدت أسواق الجملة والتفصيل والمخازن الخاصة مداهمات دقيقة أسفرت عن إيقاف عدد من تجار الجملة والوسطاء المعروفين بـ “الهباطة”، متلبسين بإخفاء كميات كبيرة من المواد الغذائية أو تخزينها بطرق غير قانونية بهدف افتعال ندرة وتحقيق أرباح غير مشروعة.
أبرز ما كشفت عنه التحقيقات:
- ضبط كميات هائلة من المنتوجات المحتكرة والمضارب بها في مخازن تابعة لمؤسسات متخصصة.
- إحالة أصحابها على النيابة بتهم الاحتكار والتلاعب بالأسعار.
- فتح تحقيقات ضد شبكات لتهريب مواد أساسية مثل القهوة عبر الحدود، بهدف طرحها في السوق المحلية بأسعار مضاعفة.
وقد تحرك القضاء بسرعة، حيث أصدرت المحاكم المختصة أحكامًا بالسجن تتراوح بين سنتين وثماني سنوات ضد عدد من وكلاء البيع وتجار الأعلاف والمواد الفلاحية، تأكيدًا على جدية المرحلة الجديدة التي وُصفت بأنها “مرحلة الانضباط والمحاسبة”، حيث “لا مكان فيها للفاسدين أو المحتكرين”.
ملفات بارزة في سياق الحملة
في إطار متصل، برز ملف إيقاف القيادي النقابي لسعد اليعقوبي على خلفية شبهات تتعلق بالمضاربة في مادة البطاطا، وهي قضية أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والنقابية. ويؤكد هذا الإجراء، بغض النظر عن تفاصيله، أن الحملة لا تستثني أي طرف، وأن القضاء يمارس عمله بكل استقلالية للبت في هذه القضايا.
المواطن يدعم التحركات
لقيت هذه العمليات ترحيبًا كبيرًا من عموم المواطنين، الذين عبّروا عن ارتياحهم لـ القبض على “العقليات التي تتاجر بقوت الشعب” وتستغل الأزمات لتحقيق مكاسب شخصية. كما أسفرت الحملات عن حجز كميات ضخمة من الخضر والغلال واللحوم والأسماك والمواد الاستهلاكية، التي أعيد توزيعها على الأسواق بالأسعار الرسمية المحددة، مما خفف الضغط على المستهلك بشكل فوري.
وختامًا، تُعد هذه الحملة نقطة تحول مفصلية تسعى لتكريس مفهوم جديد لسيادة القانون في المجال الاقتصادي، وتحويل مقاومة الاحتكار من حملة ظرفية إلى سياسة دولة دائمة لضمان استقرار الأسواق وكرامة المواطن.








