مأساة “أمل خذر”: عندما يصبح الفقر حكماً بالإعدام الاجتماعي في تونس

صرخة صامتة من زغوان: تفكيك لـ “انتحار الأمهات” تحت وطأة البؤس

في عمق منطقة حمّام الزريبة بولاية زغوان التونسية، لم تكن حادثة وفاة “أمل خذر”، الأم لثلاثة أطفال، مجرد خبر عابر , فهي كانت صرخة مدوية في وجه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية.

“أمل”، التي اختارت إنهاء حياتها بتناول دواء الفئران بعد أن أودعت أبناءها عند جارتها بكلمات وداع خفية، لم تقتل نفسها فحسب، بل كشفت عن وجه قاسٍ لواقع تعيشه آلاف الأسر التونسية الهشة: واقع “انتحار الأمهات” تحت وطأة العوز والضغوط المعيشية المتراكمة.

القصة تخرج من إطار المأساة الفردية لتصبح مؤشرًا خطيرًا على ظاهرة اجتماعية أعمق؛ وهي شعور الفرد، خاصة المعيل البسيط، بأن الحياة أصبحت عبئًا لا يُحتمل ولا يمكن توفير الحد الأدنى من الكرامة فيها لأطفاله.

الفقر ليس خياراً: غياب شبكات الأمان يفاقم الأزمة

الظروف التي أحاطت بـ”أمل” تكشف بوضوح غياب شبكات الأمان الاجتماعي الفعالة في المناطق الداخلية. لم تكن “أمل” مجرد حالة انتحار بسبب الاكتئاب، بل كانت ضحية مباشرة للتهميش الاقتصادي. إن كون عائلتها لم تستطع حتى تحمل تكاليف الدفن الأساسية، مما استدعى تدخلاً سريعًا من منظمات المجتمع المدني مثل الهلال الأحمر وجمعيات المسنين، يسلط الضوء على:

  1. هشاشة الطبقات الدنيا: وجود عائلات تفتقر لأبسط مقومات الحياة، حتى في لحظات الموت.
  2. فشل التكافل الاجتماعي: النقص في آليات الرصد والمساعدة الحكومية والمجتمعية التي من المفترض أن تمنع الوصول إلى مرحلة اليأس المطلق.

مسؤولية مجتمعية ووطنية: كيف ننقذ “أمل” التالية؟

مأساة حمّام الزريبة يجب أن تتحول إلى نقطة تحول في الخطاب الوطني حول الفقر ، إنها تضع المجتمع والدولة أمام أسئلة محرجة ومصيرية:

  • الدور الحكومي: ما هي استراتيجيات التنمية الفعالة التي تستهدف النساء المعيلات والأسر في المناطق الداخلية لضمان مصدر دخل كريم ومستدام؟
  • الدور المجتمعي: هل يقوم الجار والمجتمع المحلي بالدور المنوط به في دعم ورصد حالات العسر الصامت؟ اليأس لا يولد فجأة، بل يتراكم خلف الأبواب المغلقة من قلة الحيلة والعزلة.

إن كل “أمل خذر” جديدة تشكل فشلاً ذريعًا للمجتمع بأكمله والقصص المأساوية هذه هي في جوهرها دعوة عاجلة إلى إعادة بناء منظومة التضامن، وتركيز الجهود على انتشال الأسر من براثن البؤس قبل أن يصبح الفقر مرادفًا للحكم بالموت على كرامتهم وأرواحهم. المطلوب الآن هو خطط استعجالية لـ رعاية الأيتام الثلاثة، وبرامج مستدامة لتمكين العائلات المعوزة، لكي لا تزهق حياة أخرى بصمت مدوٍ.