شهدت الساحة التونسية مؤخراً موجة تضامن غير مسبوقة، لم تأتِ هذه المرة من خلال بيان حقوقي أو قرار قضائي، بل عبر صورة فوتوغرافية انتشرت كالنار في الهشيم على منصات التواصل الاجتماعي. الصورة تُظهر المحامية والمعلّقة الإعلامية سنية الدهماني خلال مثولها أمام المحكمة، مرتدية زي المحاماة، ولكن بملامح بدت عليها آثار الإرهاق، وشعر غزاة الشيب بالكامل.
😢 الأثر الإنساني: من الشاشة إلى قضبان السجن
اعتاد الجمهور التونسي رؤية سنية الدهماني على الشاشات، وهي تناقش القضايا السياسية والاجتماعية بحدة ووجهة نظر واضحة. لكن الصورة المتداولة اليوم رسمت وجهاً مختلفاً تماماً: وجه بدا عليه أثر المحنة، حكايات القلق، والإرهاق الذي خلفته أشهر الاعتقال.
أبرز ما لفت انتباه الجمهور هو التغيير الجذري في مظهر شعرها. فلقد تحوّل الشيب الكثيف إلى “شاهد صامت” وناطق على حد سواء. وقد عززت هيئة الدفاع وعائلة الدهماني هذا التفسير، مشيرين في تصريحات سابقة إلى أن ظروف السجن كانت تمنعها من أبسط حقوقها الشخصية، كالحلاقة أو العناية بالمظهر المعتادة.
هذا التحوّل لم يكن مجرد ملاحظة جمالية، بل تحوّل إلى رمز، حيث اعتبره النشطاء والمدونون التونسيون تلخيصاً بصرياً قاسياً لواقع سجينات الرأي. فما كان يمثل بالنسبة للدهماني حرية تعبير، تحوّل في نظر القانون إلى تهمة، وفي نظر الجمهور، إلى دلالة على الثمن الباهظ للانتقاد السياسي في الوقت الراهن.
⚖️ ما بين القانون والصورة: قضية مركبة
إن التعاطف الشعبي الواسع الذي أثارته الصورة لم ينفصل عن الإطار القانوني المعقد لقضيتها. سنية الدهماني تلاحق في قضايا متعددة، أغلبها يستند إلى “المرسوم عدد 54” سيئ السمعة، والذي يتم استخدامه بشكل متزايد ضد الصحفيين والناشطين لـ”نشر أخبار زائفة” أو “الإساءة للغير عبر شبكات الاتصال”.
وفي حين أصدرت محكمة التعقيب في إحدى القضايا حكماً تاريخياً بـنقض الإحالة على المرسوم 54 واستبدالها بالمرسوم 115 الخاص بالصحافة، إلا أن هذا النقض لم يمنع صدور حكم آخر لاحقاً بالسجن لعامين في قضية منفصلة. هذا التضارب يؤكد وجود إرباك قانوني وتشريعي يضع حريات التعبير على المحك.
الصورة القوية للدهماني تضع السلطات والمجتمع الحقوقي أمام حقيقة لا يمكن إنكارها: أن الإجراءات القانونية ضد الناشطين لا تقتصر على مواد القانون، بل لها أبعاد إنسانية ونفسية عميقة تترك آثارها الواضحة.
🕊️ مطالبة بالإفراج وإعادة الاعتبار
في النهاية، أصبحت صورة سنية الدهماني اليوم ليست مجرد لقطة من قاعة المحكمة، بل دعوة جماعية صامتة لوقف الملاحقات القضائية التي تطال أصحاب الرأي. إنها مطالبة بتحكيم صوت العقل والقانون العادل، الذي يفصل بين التعبير والانتقاد السياسي، وبين الجريمة الجنائية.
الصورة، بملامحها المرهقة وشعرها الأبيض، تطرح السؤال الحاسم: ما هو الحد الفاصل بين حق المواطن في التعبير وحق الدولة في الحماية؟ وهل يستحق الرأي المخالف هذا الثمن الإنساني الباهظ؟








