تونس تفتح ملف الأموال المنهوبة: إطلاق سراح رجال أعمال بارزين مقابل ضمانات مالية ضخمة.. رسالة سياسية واقتصادية غير مسبوقة

تونس – تشهد الساحة التونسية حالياً حراكاً قضائياً ومالياً غير مسبوق، تمثل في إصدار قرارات بالإفراج عن عدد من رجال الأعمال الموقوفين مقابل دفع ضمانات مالية ضخمة تم إيداعها مباشرة في خزينة الدولة. هذه الخطوة تُعتبر تجسيداً عملياً لوعد رئيس الجمهورية قيس سعيّد باسترجاع الأموال المنهوبة لصالح الشعب، وتمثل تحولاً لافتاً في مقاربة الدولة للتعامل مع ملفات الفساد الاقتصادي.

التسويات المالية تضع الآلية الجديدة للتطبيق

برزت في الساعات الأخيرة معطيات جديدة تمثلت في قرار قضائي بالإفراج عن رجل الأعمال عبد العزيز المخلوفي بعد تأمينه لضمان مالي قدره 50 مليار، بالإضافة إلى تسديده مبالغ أخرى تتعلق بتسويات سابقة مع الديوانة (الجمارك) حول قضايا بمليارات أخرى، وفقاً لتصريحات الناشط السياسي رياض جراد.

كما أُعلن عن الإفراج المؤقت عن رجل الأعمال أحمد الكافي بعد دفعه كفالة مالية بقيمة 25 مليار. هذه الخطوات المتتالية تؤكد تبني الدولة لـ “الصلح المالي” كآلية رئيسية وفاعلة لتسوية الملفات ذات الطابع الاقتصادي، مما يعزز التوجه نحو استرجاع الحقوق المالية للدولة.

رسالة سياسية واقتصادية واضحة

يرى محللون أن قرارات الإفراج الأخيرة تحمل في طياتها رسالة مزدوجة وواضحة: سياسية واقتصادية. مفادها أن الدولة لا تسعى إلى الإبقاء على رجال الأعمال في السجون، بقدر ما تهدف إلى استعادة أموال الشعب المنهوبة وضمان المحاسبة العادلة ضمن إطار القانون.

في هذا السياق، أكد الناشط السياسي رياض جراد أن التاريخ سيسجل للرئيس قيس سعيّد منحه لرجال الأعمال فرصة نادرة للتصالح مع الدولة والشعب، بعد سنوات من الابتزاز والفساد الذي مارسته الطبقة السياسية خلال ما أسماه “العشرية السوداء”. وأشار إلى أن هذا المسار الجديد يفتح الباب أمام رجال الأعمال لاستعادة حريتهم واستئناف أنشطتهم بشفافية، مقابل التزامهم القاطع بإعادة الحقوق المالية للوطن.

آمال في إطلاق عجلة الاقتصاد واسترجاع الثقة

يعلق مراقبون اقتصاديون آمالاً كبيرة على هذه المقاربة، معتبرين أنها قد تكون بداية أكثر توازناً للمرحلة الاقتصادية المقبلة، وقادرة على تحريك عجلة الاستثمار واسترجاع الثقة بين الدولة والمستثمرين.

إلا أن هذا التوجه مرهون بشرط أساسي لنجاحه، وهو أن يلتزم جميع المعنيين بإعادة الأموال المنهوبة والقطع النهائي مع ممارسات الماضي، مما يعزز استرجاع الثقة بين الدولة والقطاع الخاص.

تجارب دولية مماثلة

وفي سياق المقارنات الدولية، يرى متابعون أن ما يجري في تونس يشبه إلى حد كبير تجربة المملكة العربية السعودية في عام 2017، عندما تمت تسوية ملفات الفساد مع أكثر من 200 شخصية بارزة مقابل إعادة مليارات الدولارات من الأموال المنهوبة إلى الخزينة العامة، كنموذج عالمي لتسوية ملفات مكافحة الفساد واسترداد ثروات الدول.