تُعد ظاهرة النينيو (El Niño) جزءاً لا يتجزأ من نظام مناخي واسع وطبيعي يُعرف باسم تذبذب النينيو الجنوبي (ENSO)، الذي يُمثل أكبر تقلب طبيعي في النظام المناخي للأرض. تؤثر هذه الظاهرة، التي تتراوح بين مرحلتين متناقضتين (النينيو واللانينيا)، بشكل كبير على الطقس وأنماط المناخ العالمية، وتتكرر عادةً كل سنتين إلى سبع سنوات، وتستمر غالبًا من 9 إلى 12 شهراً، وقد تمتد لسنوات.
ما هي النينيو؟ التعريف والآلية
النينيو هي مرحلة الاحترار ضمن دورة (ENSO). وتتميز بما يلي:
- تيار مائي دافئ: يتمثل في تيار مائي دافئ الحرارة يتحرك نحو الشرق في المحيط الهادي الاستوائي.
- ضعف الرياح التجارية: تحدث هذه الظاهرة عندما تضعف الرياح التجارية المنتظمة (التي تهب من الشرق إلى الغرب) أو حتى تعكس اتجاهها أحيانًا.
- احترار سطح البحر: يؤدي ضعف الرياح إلى انخفاض كمية المياه الباردة التي ترتفع إلى السطح بالقرب من أمريكا الجنوبية (ظاهرة تعرف باسم الانقلاب)، مما يتسبب في ارتفاع غير عادي لدرجات حرارة سطح البحر في شرق المحيط الهادئ الاستوائي.
- التسمية التاريخية: أطلق عليها صيادو الأسماك في بيرو والإكوادور اسم “الطفل المسيح” (El Niño de Navidad) لأن ذروة تأثيرها غالبًا ما تحدث في شهر ديسمبر بالتزامن مع أعياد الميلاد.
اللانينيا: النقيض البارد
على النقيض من النينيو، تُمثل اللانينيا (La Niña) مرحلة التبريد في دورة (ENSO)، حيث تكون درجات حرارة سطح المياه في المنطقة المركزية والشرقية من المحيط الهادئ أبرد من المعتاد. وترتبط اللانينيا بزيادة قوة الرياح التجارية.
أسباب حدوث النينيو: النظريات والتفاعل المناخي
السبب الرئيسي لحدوث النينيو يكمن في التفاعل المعقد بين المحيط والغلاف الجوي في المحيط الهادئ الاستوائي. ومع ذلك، هناك نظريات علمية أخرى تتناول العوامل التي تؤدي إلى هذا التذبذب وتطوره:
- آلية التغذية الراجعة المحيطية-الجوية: وهي النظرية الأقوى، حيث يؤدي ضعف الرياح التجارية إلى احترار السطح، وهذا الاحترار بدوره يؤثر على حركة الغلاف الجوي ويضعف الرياح أكثر، في حلقة تغذية راجعة.
- العوامل الخارجية والغير منتظمة: تشير بعض الأبحاث إلى أن ظواهر مناخية غير منتظمة مثل تذبذب مادن-جوليان (Madden-Julian Oscillation) واندفاعات الرياح الغربية قد تلعب دورًا في بدء وتغيير حالة النينيو/اللانينيا.
- دور التغيرات في الضغط الجوي: يرتبط التذبذب الجنوبي (SO) بتغيرات في الضغط الهوائي السطحي بين المحيط الهادئ الغربي والشرقي، حيث يصاحب مرحلة النينيو انخفاض في ضغط الهواء السطحي في شرق المحيط الهادئ.
تأثيرات النينيو الحديثة: التحدي في ظل التغير المناخي
لا تحدث النينيو في فراغ؛ بل تحدث في سياق التغير المناخي الأوسع الناجم عن النشاط البشري، مما يضاعف من آثارها. تشمل التأثيرات الرئيسية ما يلي، مع التركيز على التطورات الحديثة (2023-2024):
تأثيرات مناخية وبيئية 🌍
- ارتفاع درجات الحرارة القياسي: تدفع ظاهرة النينيو درجات الحرارة العالمية إلى مستويات قياسية، حيث كانت ظاهرة النينيو التي بدأت في عام 2023 وأثرت بقوة حتى عام 2024 مسؤولة عن رفع درجات الحرارة العالمية بشكل غير مسبوق، مما جعل عام 2023 العام الأكثر سخونة على الإطلاق، ويتوقع علماء الأرصاد أن يتفوق عام 2024 على هذا السجل.
- تفاقم الظواهر المتطرفة: تزيد النينيو من حدة الظواهر الجوية المتطرفة.
- الجفاف والحرائق: ترتبط بالجفاف الشديد في مناطق مثل أستراليا وإندونيسيا وأجزاء من جنوب آسيا.
- الأمطار والفيضانات: ترتبط بزيادة هطول الأمطار والفيضانات في أجزاء من الأمريكيتين (جنوب الولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية) والقرن الإفريقي.
- تأثيرات المحيطات: تسجل درجات حرارة سطح البحر العالمية مستويات قياسية غير مسبوقة، مما يهدد النظم البيئية البحرية ويؤثر على الحياة المائية كالشعاب المرجانية وأعداد الحيوانات البحرية (كما حدث في جزر غالاباغوس).
- تغير أنماط الأعاصير: تغذي مياه النينيو الدافئة الأعاصير في وسط وشرق المحيط الهادئ، بينما يمكن أن تعيق تكوينها في حوض المحيط الأطلسي.
تأثيرات اقتصادية واجتماعية 💰
- الخسائر الاقتصادية الضخمة: تشير الدراسات الحديثة إلى أن ظاهرة النينيو يمكن أن تتسبب في خسائر اقتصادية عالمية هائلة تُقدر بـتريليونات الدولارات، نتيجة لتدمير الإنتاج الزراعي والتصنيع واضطرابات قطاع السياحة والطيران.
- الأمن الغذائي والزراعة: الأضرار الكبيرة التي تلحق بالمحاصيل الزراعية بسبب الجفاف أو الفيضانات، وتناقص أعداد الأسماك، مما يؤثر على مصايد الأسماك وصناعة المخصبات العضوية الناتجة عن الطيور البحرية.
- الآثار الصحية: انتشار الأمراض المعدية كالكوليرا والملاريا وحمى الضنك، نتيجة لتغير أنماط الهطول وتكاثر ناقلات الأمراض (الحشرات والميكروبات).
- التأثيرات على البنية التحتية: تسبب الفيضانات والانهيارات الأرضية أضرارًا جسيمة في البنية التحتية، مما يستلزم تخصيص مبالغ ضخمة للتعامل مع التداعيات (كما فعلت بيرو في مواجهة النينيو).








