قيس سعيد يرسم خريطة طريق للإصلاح: حياد المرافق العمومية ومراجعة جذرية للسياسة الخارجية

تونس – قصر قرطاج – 15 نوفمبر 2025

شهد قصر قرطاج يوم أمس، 14 نوفمبر الجاري، سلسلة من اللقاءات الهامة التي عقدها رئيس الجمهورية قيس سعيد، مؤكداً فيها على ضرورة المضي قدماً في مسار الإصلاح الداخلي وتعزيز السيادة الوطنية في التعاملات الخارجية. وقد جمع الرئيس سعيّد برئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري، وكذلك بوزير الشؤون الخارجية محمّد علي النفطي، حيث تم تحديد أولويات المرحلة الراهنة بوضوح لا يقبل التأويل.

المحور الأول: تفعيل دور الدولة والحياد الإداري

في مستهل اجتماعه برئيسة الحكومة، وضع الرئيس قيس سعيد حجر الأساس لعمل المرافق العمومية، مشدداً على أنها يجب أن تقوم على مبدأ الحياد التامّ. هذا المبدأ يعتبر ضمانة أساسية لعدم تسييس الخدمات الأساسية وضمان وصولها لجميع المواطنين على قدم المساواة.

ضرورة التناغم الحكومي ومحاسبة المتقاعسين

أكد الرئيس سعيّد على أهمية التناغم التامّ في عمل الفريق الحكومي. ويرى الرئيس أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تونس تتطلب وحدة رؤية وتنسيقاً مثالياً بين مختلف الوزارات والسلطات.

ولكن النقطة الأكثر حساسية كانت انتقاد الرئيس لبعض المسؤولين على المستويين المركزي والجهوي والمحلي، الذين لم يستوعبوا “هذه المرحلة التي تعيشها تونس”. وفي خطاب حازم، أكد رئيس الدولة على:

  • لا تسامح مع الإخلال بالواجبات: سيتم التعامل بحزم مع كل من يتقاعس عن أداء مهامه.
  • فضح محاولات تأجيج الأوضاع: أشار الرئيس إلى أن هناك عدداً غير قليل من المسؤولين الذين يسعون بشكل “مفضوح” إلى تأجيج الأوضاع، ويبررون تجاوزاتهم – التي وصفها بـ “جرائمهم” – بادعاء تنفيذ تعليمات رئيس الجمهورية. هذا التصريح يكشف عن وجود مقاومة داخلية لمسار الإصلاح، ويوضح أن الرئيس يتدخل شخصياً لحل أبسط القضايا التي تقع ضمن اختصاصات السلطات المحلية لحماية المواطنين.

معركة التحرير الوطني وتمكين الشباب

خلص رئيس الجمهورية إلى أن الدولة التونسية ترفض التنكيل بأي تونسي. وقد دعا بشكل خاص إلى تمكين الشباب من تسلّم المشعل، معتبراً أن المرحلة الحالية هي بمثابة “حرب التحرير الوطني” التي تتطلب شعوراً مفعماً بالمسؤولية.

وفيما يتعلق بمعيار اختيار المسؤولين، شدد على مبدأ حاسم: “الكفاءة بدون وطنيّة فلا حاجة لتونس بها”. ووجه رسالة واضحة مفادها أن الشعب التونسي خطّ بدمه وآلامه الطريق، ولا عذر لأحد في أن يخيّب هذه التطلعات المشروعة.

المحور الثاني: سياسة خارجية قائمة على السيادة وعدم الانحياز

انتقل الرئيس قيس سعيد، في لقائه بوزير الشؤون الخارجية محمّد علي النفطي، لتحديد معالم الدبلوماسية التونسية الجديدة، مؤكداً على ثوابت الجمهورية التونسية:

الإحاطة بالجالية التونسية في الخارج

في سياق متصل بتعزيز الروابط الوطنية، شدد رئيس الدولة على مضاعفة الجهود لمزيد الإحاطة والعناية بالتونسيين بالخارج، الذين يمثلون جزءاً أصيلاً من النسيج الوطني ورافداً مهماً للاقتصاد التونسي.

دستور 25 جويلية مرجعية الدبلوماسية

أكد الرئيس سعيّد أن تونس ستبقى وفيّة لثوابتها ومبادئها التي تأسست عليها سياستها الخارجية، وعلى رأسها مبدأ عدم الانحياز. وذكّر بأن توطئة دستور 25 جويلية 2022 تنص بوضوح على:

  • رفض تونس للدخول في تحالفات في الخارج.
  • الرفض القاطع لتدخل أي طرف في شؤونها الداخلية.
  • العمل على تنويع شراكاتها الاستراتيجية بما يُحقّق مصالحها الوطنية العليا.

المراجعة الجذرية للاتفاقيات غير المتوازنة

النقطة الأكثر أهمية في هذا اللقاء كانت التوجيه بضرورة مراجعة عدد من الاتفاقيات الدولية المبرمة سابقاً. وأشار الرئيس إلى أن هذه الاتفاقيات “لم تستفد منها تونس”، إذ أنها لم تكن متوازنة ولا في صالح الوطن، بل كان لها “الأثر الوخيم على اقتصادنا في عديد المجالات”. هذه المراجعة تهدف إلى حماية الاقتصاد التونسي وإعادة صياغة الشراكات على أساس المنفعة المتبادلة والسيادة الوطنية.


خلاصة وتساؤلات للمناقشة

تؤكد هذه اللقاءات على توجهات حاسمة لرئيس الجمهورية نحو إصلاح الإدارة ومحاربة الفساد الإداري، بالتوازي مع إعادة بناء السياسة الخارجية على أسس السيادة والمصلحة الوطنية العليا. يمثل هذا المسار تحدياً كبيراً يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف.

عزيزي القارئ: ما هو تقييمك الشخصي لأولوية مراجعة الاتفاقيات الخارجية؟ هل تعتقد أن مبدأ “الكفاءة بدون وطنية” هو المعيار الأنسب لتولّي المسؤوليات في المرحلة الحالية؟ نرحب بآرائكم وتساؤلاتكم حول هذه القضايا الوطنية الهامة في قسم التعليقات أدناه!