تحليل استراتيجي: قمة محمد بن سلمان و ترمب … تحوّل موازين القوى في الشرق الأوسط ومفترق طرق تاريخي لمصر

الكاتب: [تونس الاولى] التاريخ:19 نوفمبر 2025

الزيارة الأخيرة لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى واشنطن لم تكن مجرد جولة دبلوماسية اعتيادية، بل كانت نقطة انعطاف استراتيجية حاسمة أعادت رسم خريطة النفوذ في منطقة الشرق الأوسط. تتجاوز المباحثات مسألة التعاون التقليدي لتصبح تأسيساً لـشراكة استراتيجية محورية مع القطب العالمي الأبرز، في خضم التغيرات نحو عالم متعدد الأقطاب.

جوهر التحوّل يكمن في التالي: كل تقدم سعودي نحو مركزية الإقليم يُعيد تعريف موقع مصر الجيوسياسي. معيار البقاء لم يعد يقتصر على القوة التقليدية، بل أصبح مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالسرعة والمرونة الاستراتيجية.


1. البعد الجيوسياسي: تحالفات جديدة وفراغ النفوذ الإقليمي

في ظل تراجع الاهتمام الأمريكي التقليدي بالشرق الأوسط على قائمة أولويات الأمن القومي، لم تعد واشنطن تبحث عن مجرد “شريك قديم”، بل عن شريك قادر على ملء الفراغ عسكريًا وسياسيًا ودبلوماسيًا على الساحة.

تُقدم المملكة العربية السعودية نفسها حاليًا كـمرساة استقرار بديلة، تتمتع بالقدرة الفريدة على نسج علاقات عمل متوازنة مع واشنطن وبكين وموسكو في وقت واحد — وهي ميزة تفتقر إليها أغلب القوى الإقليمية الأخرى.

هذا التحول لا يعني “تخليًا” أمريكيًا عن مصر، بل يشير إلى تغير جذري في هرم الأولويات: تُعطى الأفضلية للدولة التي تُقدم حلولًا فعالة على الدولة التي تتطلب حلولًا لمعضلاتها.

⚠️ التحدي المصري: أي تعميق للتحالف السعودي–الأمريكي في ملفات حيوية مثل البحر الأحمر، أزمة السودان، الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، من شأنه أن يؤدي إلى تجاوز تدريجي للدور المصري بدلاً من إقصائه المباشر. التجاوز الاستراتيجي أكثر خطورة لأنه غالبًا ما يكون صعب الإصلاح، على عكس الإقصاء الذي يظل خاضعًا للتفاوض.


2. البعد العسكري: صفقة F-35… أكثر من مجرد طائرة

طلب السعودية الحصول على مقاتلات F-35 لا يمثل طلبًا تقنيًا فحسب، بل هو إشارة سياسية ورمزية للرغبة في تحقيق توازن تفوق عسكري إقليمي.

دوافع الرياض الأساسية تشمل: موازنة القوى الإقليمية، تعزيز الردع المتقدم ضد التهديدات الإيرانية والمُسيَّرات، والحصول على اعتراف أمريكي بالشراكة الدفاعية من الدرجة الأولى. هذا التعاون الدفاعي ضروري لـمكافحة الإرهاب، كما أكد ولي العهد، مشدداً على أهمية تعزيز العلاقة الثنائية في هذا المجال.

الأثر الاستراتيجي لـ F-35 على مصر: إذا نجحت السعودية في الحصول على F-35، سيخلق ذلك فارقًا تكنولوجيًا هائلًا مع القوات الجوية المصرية المعتمدة على مقاتلات الجيل الرابع. هذا التفاوت يؤثر على مرونة مصر التكتيكية ومكانتها كقوة جوية إقليمية رائدة.

🔑 الطريق أمام القاهرة: لا يكمن الحل في شراء F-35 المستبعد سياسياً، بل في بناء بنية دفاعية ذكية عبر تنويع مصادر أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة، وتسريع تطوير المُسيَّرات المحلية، ودمج المعلومات الاستخباراتية في منظومة قيادة موحدة.


3. الأساس المادي للتحوّل: تفكيك بنود “الصفقة الكبرى” وتصريحات الاستثمار الجديدة

لقد أكدت القمة أن ما جرى تأسيسه هو صياغة لصفقة استراتيجية شاملة تُعيد هيكلة الشراكة الإقليمية. وقد كشفت تصريحات ولي العهد عن الأبعاد الجديدة للصفقة:

أ. الاستثمار والتكنولوجيا: بلا حدود للتوقعات 📈

أعلن الأمير محمد بن سلمان عن خطط استثمارية غير مسبوقة في الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن المملكة ستعلن عن استثمارات تتراوح بين 600 مليار إلى تريليون دولار. كما أكد الاهتمام بـعدد من القطاعات الأمريكية، أبرزها الذكاء الاصطناعي (AI)، مشدداً على أنه “لا حدود لتوقعاتنا بشأن العلاقات مع الولايات المتحدة”. هذا التوجه يرسخ المحور الاقتصادي والتكنولوجي كركيزة أساسية للشراكة، ما يفتح آفاقاً واسعة للنمو المشترك.

ب. محور التطبيع الإقليمي والثمن الفلسطيني: 🇵🇸 خطة واضحة ومساهمة لإعادة الإعمار

أعطت تصريحات ولي العهد أولوية واضحة للبعد الفلسطيني في أي تطبيع محتمل، حيث أكد: “نريد خطة واضحة لحل القضية الفلسطينية“. هذا التأكيد يضع حداً للتوقعات بـ”التطبيع المجاني” ويعيد الثقل للحل الشامل قبل المضي قدماً في أي اتفاق.

كما أشار إلى دور المملكة في جهود ما بعد الحرب، قائلاً: “نحن في محادثات حول المبلغ الذي ستقدمه السعودية لإعادة إعمار غزة وليس هناك مبلغ محدد حاليا”. يرسخ هذا الموقف السعودية كقوة إقليمية لا تسعى للسلام فحسب، بل تتحمل مسؤولية الاستقرار الإنساني والتعمير. كما أن إشادته بجهود ترامب من أجل السلام تشير إلى الرغبة في اعتماد نهج براغماتي في المفاوضات الإقليمية.

  • محور الأمن والدفاع: تُطالب السعودية بـضمانات أمنية أمريكية مُلزمة، قد ترقى إلى مستوى معاهدة دفاع مشترك، وتتضمن نشر أنظمة دفاع صاروخي متطورة (Patriot و THAAD).
  • محور الطاقة النووية: لا يزال الخلاف قائماً حول تخصيب اليورانيوم، وقد يتم التوصل إلى تسوية مؤقتة بتأجيل الملف مقابل رقابة دولية معززة.

4. التداعيات الاقتصادية: رؤوس الأموال تتجه شرقاً

الضخ الاستثماري المعلن، الذي يتراوح بين 600 مليار إلى تريليون دولار، والتركيز على قطاعات المستقبل كالذكاء الاصطناعي، سيجذب تكنولوجيات ضخمة وسلاسل قيمة عالمية جديدة، لكن هذا التوزيع لن يكون متساويًا إقليميًا، مما يضع ضغطاً على مصر:

  • خطر التهميش على مصر: يتمثل في تراجع مكانتها كوجهة أساسية للاستثمار الخليجي، واستبعادها من سلاسل القيمة الجديدة في قطاعات المستقبل، وتآكل دورها كشريك لوجستي رئيسي.
  • فرصة التحول: يمكن لمصر تحويل العلاقة مع الرياض من مجرد تلقي التمويل إلى شراكة إنتاجية مُعمَّقة عبر دمج الصناعة المصرية في مشاريع كبرى مثل NEOM وموانئ البحر الأحمر، شريطة إجراء إصلاحات تشريعية عاجلة وبيئة أعمال محفزة.

5. الخلاصة الاستراتيجية: سباق السرعة الإقليمي

تبحث المملكة العربية السعودية حاليًا عن قيادة إقليمية جديدة مدعومة بالرؤية المالية والتحول الداخلي والتبني التكنولوجي. واشنطن تراها الشريك الأكثر ملاءمة لأهداف مثل: كبح النفوذ الإيراني، تحييد الصين في ملفات الطاقة، وإدارة عملية التطبيع مع إسرائيل.

في خضم هذا المشهد، تواجه مصر أسئلة استراتيجية مصيرية حول قدرتها على إدارة ملفات النفوذ الإقليمي (غزة، السودان، ليبيا) واستراتيجيتها للبحر الأحمر.

الخطر الحقيقي ليس في صعود السعودية، بل في الركود الاستراتيجي المصري. النظام الإقليمي الجديد لا ينتظر، والفرص تمنح لمن يملك سرعة التنفيذ والمبادرة، وليس لمن يعتمد على التاريخ الجيوسياسي وحده.

الزيارة الأخيرة لولي العهد السعودي وتصريحاته تشير إلى حجر أساس لنظام إقليمي جديد وغير قابل للعكس. السعودية لا تستبدل مصر، لكنها ترفع بشكل كبير سقف المنافسة على النفوذ والقيادة. السؤال الأهم هو: هل تمتلك القاهرة رؤية واضحة، آليات تنفيذ فعالة، وشجاعة سياسية لتكون شريكًا فاعلاً في صياغة هذا الشرق الأوسط الجديد… أم مجرد متفرج؟

الفارق بين اللاعب والمتفرج لم يعد يتحدد بالجغرافيا أو حجم الجيش، بل بالامتلاك الحاسم لـالسرعة الاستراتيجية المدعومة بالاستثمار والتكنولوجيا.

المصادر: [تصريحات ولي العهد منقولة عن قناة العربية]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *