شجار “دراماتيكي” يهز رأس الجبل
ما بدأ كـ “خلاف عادي” بين مجموعة من التلاميذ في حافلة نقل مدرسي في مدينة رأس الجبل بولاية بنزرت، تحول بشكل دراماتيكي إلى واقعة مؤسفة ومقلقة. إذ تطور الشجار فور نزولهم من الحافلة إلى استخدام الأسلحة البيضاء، مخلفاً عدداً من الإصابات التي استدعت نقل تلميذين إلى المستشفى المحلي، وكانت حالة أحدهما صعبة لدرجة وُصفت بأنها “كادت تتحول إلى مأساة حقيقية”.
لم يعد الأمر مجرد مشكلة سلوكية فردية، بل هو مؤشر على أزمة مجتمع تتسرب إلى أسوار المؤسسات التربوية. التساؤل المُلِحّ اليوم: ما الذي يدفع شباناً قُصّر (تتراوح أعمارهم بين 15 و17 سنة) إلى حمل السلاح في محيطهم المدرسي؟
1. المدرسة التونسية في مرمى العنف: الأسباب العميقة
تؤكد هذه الواقعة على أن العنف لم يعد مقتصراً على حالات التنمر اللفظي، بل وصل إلى مرحلة الاستخدام الخطير للأدوات الحادة. المحللون الاجتماعيون يربطون هذا التفشي بثلاثة أبعاد رئيسية:
- البيئة الاجتماعية: يمثل التلاميذ مرآة لما يدور خارج المدرسة. إن تفشي الجريمة والمخدرات وتراجع سلطة القانون في بعض الأحياء ينعكس مباشرة على سلوك المراهقين.
- غياب الرقابة الوالدية: يمثل غياب التواصل الفعّال بين الأولياء والمؤسسات التربوية، وضعف الرقابة على أدوات الأبناء، عاملاً مهماً في وصول الأسلحة البيضاء إلى المحيط المدرسي.
- فشل المؤسسات: يتحمل الوسط المدرسي أيضاً مسؤولية جزئية، حيث أن الواقعة حدثت فور نزول التلاميذ من الحافلة التي تؤمّن نقلهم، مما يثير تساؤلات حول إحكام الرقابة داخل وسائل النقل المدرسي والمحيط القريب من المؤسسات.
2. التحرك الأمني والانتظارات القضائية
التحرك الأمني في بنزرت كان سريعاً وفعالاً، حيث تمكنت فرقة الشرطة العدلية برأس الجبل من إيقاف ستة تلاميذ قُصّر والاحتفاظ بهم في انتظار إحالتهم على القضاء.
- ردع ضروري: الإجراءات القضائية الصارمة ضد المتورطين تُعد خطوة ضرورية لإرسال رسالة ردع قوية للوسط المدرسي مفادها أن استخدام العنف والأدوات الحادة هو جريمة لا تهاون فيها.
- البحث عن الأسباب: يتطلب استكمال الأبحاث الكشف عن الأسباب الحقيقية وراء الخلاف، وهل كانت مجرد خلافات عابرة أم أنها تتصل بشبكات عنف منظمة أو بتعاطي مواد ممنوعة.
3. ما بعد الأزمة: نداءات لإعادة بناء المنظومة التربوية
خلّفت الواقعة استياءً كبيراً لدى سكان المنطقة وإطاراتها التربوية، الذين دعوا إلى أكثر من مجرد الإيقافات الأمنية.
إن الحل لا يكمن فقط في الإجراءات الأمنية، بل في معالجة الأسباب الاجتماعية والنفسية التي تدفع التلاميذ إلى مثل هذا العنف. وهذا يتطلب تدخلاً شاملاً:
- الدعم النفسي والاجتماعي: تفعيل دور الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين في المدارس كأولوية قصوى.
- شراكة مجتمعية: تعزيز الشراكة بين العائلات والمؤسسات الأمنية والتربوية لفرض الانضباط خارج وداخل أسوار المدارس ووسائل النقل.
التعليم يحتاج إلى طوق نجاة
إن حادثة بنزرت تذكير صارخ بأن المؤسسة التعليمية في تونس تحتاج إلى طوق نجاة لا يحميها فقط من الإضرابات والتأزم الإداري، بل من العنف المتفشي الذي يهدد سلامة التلاميذ. إن إيقاف المتورطين خطوة أولى، لكن التحدي الحقيقي يكمن في إعادة زرع قيم الحوار والتسامح بدلاً من العنف في نفوس الجيل القادم.








